في حضور الوجدان تتألق معاني أحلام مستغانمي، وفي ذاكرة الجسد تتوج حضورها، حروفاً كلمات عبارات تتقاطر في حفل الغناء الروحي. موسيقاه الوطن المنبعث برغم الجراحات... مليون شهيد وثورة ومجاهد، وجزائر الثكلى بأبنائها تنبعث زوابع وعواصف الشوق والحنين في قلب خالد الرسام الذي امتشق الريشة بعد أن هوت يده التي حملت السلاح يوماً، والريشة والسلاح سيّان، كلاهما ريشة تعزف على أوتار الوطن. ففي فرنسا وعندما كان يرسم ما تراه عيناه، جسر ميرابو ونهر السين، وجد أن ما يرسمه هو جسراً آخر ووادياً آخر لمدينة أخرى هي قسنطينة، فأدرك لحظتها أنه في كل حال لا يرسم ما نسكنه، وإنما ما يسكننا.
وهل كانت أحلام مستغانمي تكتب ذاكرة الجسد أم أنها تكتب ذاكرة الوطن؟!! الأمر سيّان فما الجسد إلا جزء من الوطن وما الوطن إلا هذا الجسد الساكن فيه إلى الأبد. تتقاطر الذكرى مفعمة بروح الماضي الذي يأبى إلا الحضور في كل شيء متجسداً السي طاهر التي كما عرفها خالد طفلة رجل قاد خطواته على درب الكفاح؛ عرفها أنثى... كانت من الممكن أن تكون حبيبته، زوجته، ولكنها باتت زوجة في زواج لم يحضره، تلف الذكرى الصفحات، وتتهادى العبارات ممسكة بتلابيب الذكريات دون أن توقظ النفس ملل الحضور. الوطن والحبيبة يجتمعان، والثورة والحب ينصهران في بوتقة واحدة، ومزيجهما عطاء فكري، بعيد عن الخيال، للواقع أقرب، وللإنسان في صدق مشاعره وأحاسيسه أقرب وأقرب .. !