كان لاعب مزمار أنيق , حاد السمع واسع البصر, حوى المدينة حباً وهام في دروبها, تفاصيلها, شخصيات جدة القديمة, وكلما أمسك بطرف حكاية من حكاياتها كان كمن يطل من روشن في جدة ليرمي الورد والحكايا على العابرين .
هذه الرواية تشبه جدة الميناء من جهة تركيبها المكاني حيث المدينة السفر والمدينة القادمون والمدينة السوق, ومن جهة أخرى مركزا للسفر إلى مصر وبيروت واليونان وبلاد البنط, جهة واحدة من هذه الجهات الكثيرة كانت ستغرق أي كاتب حين ينوي الكتابة عن مدينة عشقها وهام في دروبها, لكن محمد صادق دياب لاعب المزمار الذي يحسن مسك العصا من المنتصف, يعطي الميناء ظهره حين يقبل على الناس في المدينة القديمة, يستعين بالخواجة يني ويتكيء على عام 1857م ليبدأ موالاً حجازياً آخرعن مرحلة مهمة في تاريخ هذه المدينة العريقة.
جدة ليست مدينة سعودية فقط, إنها أنموذج المدينة الكوزموبوليتانية منذ القدم, وهو إذ يجعل بطل عمله الأخير -روائياً- تاجراً يونانيا انتهى به المطاف ليقع في عشق المدينة الفاتنة, ليعذر نفسه وهو الذي عرف بها وعرفت به كأجمل من كتب عنها.
هذه هي الرواية الأخيرة التي خطها لاعب المزمار وعاشق جدة السيد الطروب محمد صادق دياب رحمه الله, وهي بالتأكيد أغنية لجدة, ككل هدايا العاشقين المتأخرة.