تمتاز رواية «توارت بالحجاب» للكاتب السعودي عبد الرحمن العكيمي بخاصية التجلي التي يوفرها الفكر الصوفي لتحليل العلاقة بين عناصر ثالوث المعرفة (الأنا، والوجود، والمطلق)، وقد أضاف إليها الروائي خاصية العشق الصوفي وتجلت في عشق بطلها امرأة صوفية الروح والفكر والجسد والهوى وقد حمل الراوي تمردها وقلقها وتساؤلاتها وعهد بمهمة تقييمها إلى القارئ. فطرح الأسئلة وتركها مشرعة؛ لذلك يمكن اعتبار «توارت بالحجاب» نموذجاً لرواية الأسئلة، بما تتوفر عليه من إمكانات أسلوبية ولغوية وحوارية ثرة، وبما توليه من أهمية لموضوعات حيّوية يعيد من خلالها الكاتب إمكانية تقويم العديد من الظواهر السلبية التي سادت المجتمعات الإسلامية في الآونة الأخيرة مثل البرامج السياسية الدينية المقولبة التي تقود الشباب إلى حتفهم تحت عنوان الجهاد ونصرة الإسلام؛ وموضوع الولاء والبراء من المشركين والإلحاد والشك وغيرها.
عبر هذا الفضاء تدور أحداث الرواية بين تبوك وعمان والعراق.. أبطالها ثلاثة أصدقاء في ربيع العمر وهم يوسف الغربي وعمار الخضر ورائد العون، يتشابهون في أشياء مشتركة، تسكن قلوبهم قيم الوفاء والصدق، لكن ظروف المرحلة ومتغيراتها، تداهمهم في غفلة من العمر الجميل، وتخطفهم تحولات الحياة، وتلقي بهم كلٌّ في اتجاه. يوسف في ميدان الصحافة والأدب والشعر، وعمار في ميدان المعركة فذهب ضحية الفكر الإرهابي المتطرف، أما رائد فخرج في الوقت المناسب من دائرة ضالة كادت أن تهلكه.
يظل عبد الرحمن العكيمي كاتباً صحفياً وروائياً متميزاً، من حيث قدرته على خلخلة السؤال، وتصويب سهام النقد والتوجيه للتيارات الفكرية المأدلجة، ولهذا جعل كتاباته تقرب المسافات، وتحتضن الصدمات، وتفحص المسلَّمات، وتستبطن محنة الذوات.. هي عالم قائمٌ بذاته، مُفْعَمٌ بالحياة، منفتح على الاحتمالات، حمّال لكلّ ألوان التفسير والتأويل. والغاية دفع القارئ إلى النّظر إلى العالم بعيون جديدة وروح سامية.