إن من مقومات السعادة أن ترى الأم أطفالها يحيون، ولكن أن تكون الأم هي السبب في موت أحد أبنائها عن قصد أو دون قصد فتلك هي الطامة الكبرى، هذا ما تبوح به رواية «بيت جدّي» للكاتبة السعودية فاطمة عبد الله بن رافعة "بنت السَرَاة" ضمن رؤية (نفسية – اجتماعية) تبحث في فكرة "الفقد" المفاجئ للولد وانعكاسه على الأم، حيث يتوقف الزمان والمكان لديها في اللحظة التي تفقد فيها أحد أبنائها. تلك هي حال بطلة الرواية الأم التي أصبحت جدّة وما زالت تنتظر رجوع صغيرتها "مريم" عند عتبة بيتها، موزعة نظراتها التائهة ما بين الشارع والبابُ الذي يوصد أمامها كل يوم وأيادي عائلتها الممدودة بصبر أمامها، فتستجيب لهم بدمعتين شحيحتين تظلان عالقتين بأعلى خدّها حتى تُودَع في فراشها. إنه الموت المفاجئ لابنة الثماني سنوات التي خرجت ذات يوم حيّة وعادت ميتة أمام عيني والدتها، بعد أن ضربها درّاج فطارت مسافة ستة أمتار في الهواء ثم هَوَت مفلوقة الرأس عند عتبة (بيت الجدّ) وتحت أقدام أمها المذهولة، وهروب صاحب الدراجة الحمراء ناجياً بنفسه من العقاب منطلقاً إلى الحياة، والوظيفة، والزواج، والأولاد.بعد حادثة موت "مريم"، تنقلب حال سيرة العائلة الكبيرة بأكملها وتتغير أحوالها، وتتوقف ذاكرة الأم ربع قرن من الزمن. يكبر أولادها الذكور منهم من يتزوج ومنهم من يُطلّق، ومنهم من يُنجب. وكانت "فرح" ابنة عبد الكريم الابن الثاني للعائلة التي توكل إليها الكاتبة مهمة سَرد حكاية بيت جدّها وجدّتها وأولادهم وأزواجهم وأحفادهم؛ وحكايتها هي مع أمها وأبيها اللذان انفصلا بعد ثلاث سنوات زواج بسبب رفض أمها التخلي عن الوظيفة، كما تصف "فرح" مشاعرها خلال غياب أمها عنها عشرون عاماً على أثر هذا الانفصال؛ حيث تعيش الفتاة متنقلة بين بيت الجدّ والأعمام والأب الذي تزوج من امرأة أخرى عاملتها بقسوة وآذتها نفسياً وبدنياً.. حتى التقت بأمها صدفة! وهنا المفاجأة التقتها في عزاءِ من قَتَلَ عمتها مريم وهرب. فتكشف الرواية عن طريق "فرح" سره.. مَنْ هو.. وكيفية هروبه من الحي.. زواجه وبناته مروراً بابنه السجين واحتضانه للطفلين، ثم موت الطفلين بالدبّاب (الدراجة النارية) التي اشتراها لهما جدهما، إلى حادثة موته الأليمة خوفاً من الفتاة الصغيرة "مريم" التي طارده شبحها حتى ألقى بنفسه من غرفة نومه من الطابق الثاني ليسقط بعد أربع ليال من موت ولديه جثة هامدة.. لقد تحققت عدالة السماء أخيراً . ولكن، هل ستعود إلى الجدّة ذاكرتها وتتوقف دموعها؟ما يميز هذه الرواية الطابع الروحاني في السرد حيث يحضرُ الله وملائكته مع كل حدث، لينقذوا "بيت جدّي" من السقوط ولينشروا الدفء في أرجائه ويظهر ذلك في قدرة الكاتبة الفنية على تسجيل وقائع الحياة بعفوية وبلغة شعرية عذبة آسرة وإعادة سبكها في وقائع فنية أدبية. هذه المهارة هي ما يميز "بنت السَرَاة" مع كل تجربة روائية جديدة