يختلف فن الكاريكاتير عن فن كتابة القصص المصورة، فرسم الكاريكاتير، إنما هو فن قائم على رسم صورة واحدة لغرض الهزل والإضحاك والسخرية، ويتطرق فيه الرسام إلى ظروف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية تهمه وتهم جمهوره. وقد راج هذا الفن في الصحف والجرائد الأميركية أولاً، فظهرت رسومات في صحف مثل "يونيفرسال بريس سينديكايت" و"يونايتد ميديا" وغيرهما. أما كتاب القصص المصورة، فهو كتاب قائم بشكل أساس على مجموعة صور متسلسلة، تشكل بتراتبيتها قصة لها خط سردي ومغزى يبلغه القارئ في نهاية السرد. وهذه الصور والرسومات الموضوعة داخل خانات صغيرة، قد تحمل جملاً صغيرة أو كلاماً تتلفظ به الشخصيات المصورة، فتُعد "فقاعات" الكلام هذه إلى جانب الصور أبرز مميزات كتاب القصص المصورة.
وبعيداً عن فن الكاريكاتير المتسم بالسخرية والتسلل إلى الشؤون السياسية والاجتماعية، يأتي فن الكوميك بوكس (comics) أو كتب القصص المصورة، الذي كان فناً غريباً على الثقافة العربية حتى السنوات الأخيرة التي برزت فيها محاولات شبابية مهمة، وهو فن يمكن اعتباره حديثاً نسبياً في العالم أجمع، ولم يعرف عصره الذهبي سوى في العام 1933 في الولايات المتحدة الأميركية. وعلى الرغم من أن هذا الفن معروف في أوروبا وأميركا ومتداول بشكل كبير بين القراء حالياً، إلا أن أصوله يابانية ترتقي إلى فن المانغا، الذي يملك أوسع سوق في العالم أجمع. ولم يتوسع هذا الفن ولم يلقَ رواجاً خارج اليابان، سوى في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي عندما رُوج له في سوق كتب الولايات المتحدة الأميركية.
يشعر قارئ كتاب "سأحكم عليك من مكتبتك" أن علبة أقلام التلوين انفجرت على صفحات الكتاب الذي بين يديه. ألوان كثيرة مفرحة مدهشة تثير الحماسة في قلب القارئ وتحفزه على اقتناء مزيد من الكتب وقراءتها. فموضوع الكتاب، على الرغم من جديته وأدبيته يقدم للقارئ مجموعة صفحات ملونة زاخرة بالرسومات المنسقة والمنمقة والمتسلسلة بجمالية وهدوء.
ويلاحظ القارئ أن سنايدر كان حريصاً في رسوماته على عدم إقصاء أي طرف وأية فئة من القراء من رسومات كتابه، فنراه ينقل القارئ الرجل والقارئ الطفل والقارئة الفتاة والقارئة المرأة. نراه ينقل قراءً من فئات اجتماعية واقتصادية مختلفة، ليؤكد أن القراءة في متناول الناس جميعهم على اختلافاتهم كلها. ويلاحظ القارئ أن رسومات الكاتب على الرغم من الألوان المذهلة التي تتميز بها، إلا أنها رسومات هادئة فكاهية خفيفة، لا يتوقف الكاتب عند تفاصيل الأشكال فيها، بل يحرص على المعنى والرمزية. وعلى الرغم من أن الألوان مبعثرة، إلا أن فيها نوعاً من التأمل في الكتب وفي فنون جمع الكتب وقراءتها وكتابتها وعرضها وإلى ما هنالك من شؤون متعلقة بها.
يزخر كتاب "سأحكم عليك من مكتبتك" بمعلومات جميلة ودقيقة عن الكتاب وعاداتهم وعوالمهم. فيقع القارئ على ذكر للياباني موراكامي، وللأميركيين مارك ستراند وكيرت فونجت وراي برادبوري وغيرهم. هذا عدا عن الحديث عن أنواع موسيقى وفنون أدبية وعدد من الأساطير الغربية، ليكون هذا الكتاب طافحاً بمعلومات عامة جميلة ومفيدة وفي متناول القارئ من أية فئة عمرية كان. ويتوقف سنايدر في رسوماته عند موضوعات تلمس كل قارئ وكاتب وجامع كتب، أسئلة وقضايا جميلة يطرحها الكاتب كمثل، "الأخطاء الممكنة في الرواية"، التي يصور فيها الأخطاء التي قد يقع فيها أي روائي من "ثغرة في الحبكة" مروراً بـ"نفق العواطف المكتوبة بشكل سيء" وصولاً إلى "عقدة جانبية غير محلولة".
"سأحكم عليك من مكتبتك" كتاب ظريف مشرق بالألوان والموضوعات، قد يظنه القارئ للوهلة الأولى مبعثراً من دون ناموس ولا نظام، إلا أنه يتبين في نهاية المطاف أنه كتاب يحتوي على موضوعات تثير اهتمام كل عاشق للكتب والمكتبات، بسياق محفز من الألوان المبهجة والرسومات الداعية إلى التفكير والتأمل، فيتمكن سنايدر من الجمع بين الخفة والفكاهة وبين حب الكتب، والكتاب في صور ورسومات جميلة ومشوقة. فهل تكون أعمال سنايدر فاتحة ترجمة كتب كومكس جديدة إلى العربية؟ - عربية independent