حياكم الله
بحث
ِArabic
كافة التصنيفات
    القائمة Close
    العودة للكل

    ما هو اثر الاختلاف في القواعد الاصولية؟

     اثر الاختلاف في القواعد الاصولية

    بداية إن كتاب "اثر الاختلاف في القواعد الاصولية " يسلط الضوء على التنوع الفقهي والاختلافات في الفهم الأصولي، ويشكل محل اهتمام للباحثين والأساتذة في علوم أصول الفقه والفروع ذات الصلة، منها علوم العقيدة والحديث وعلوم القرآن، مسهمًا في تفهم أعماق التفاوت بين مدارس الفكر الإسلامي. غير أن تتميز هذه الورقة البحثية بتفحص طولي لأثر الاختلاف في القواعد الأصولية على التباين في الفقه الإسلامي، مقدمة رؤية شاملة لتفاصيل متشعبة من المدارس الفقهية وتأثيرها في فهم القواعد الأصولية. يُعزز هذا الكتاب فهم الباحثين والمهتمين بالفروع الفقهية بتنوع الرؤى وتأثيرها في الفهم الإسلامي.

    اثر الاختلاف في القواعد الاصولية

    سنستعرض معكم بإختصار كافي نوضح فيه مقدمة الكتاب بأسلوبنا حتى تأخذ عقولكم الصورة المبدأية حول ماهية الكتاب ومن ثم نتعرف على مؤلف الكتاب. 

    بدأ الكاتب مصطفى سعيد الخن مقدمة الكتاب كالآتي:-

    نحمد الله ونستعين به، ونتوجه بالشكر والثناء إليه، نستعين بعظمته ونستجير بقوته. نؤمن بالله ونتوكل عليه، نرجو خيره في جميع الأمور ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. نسأل الله الهداية والسداد في كل القرارات، ونطلب إعظام الثواب والأجر.

    نصلي ونسلم على سيدنا ونبينا محمد الأمين، الذي جاء بالرحمة للعالمين، ودعا إلى فهم الدين. هو الذي قام بنقل رسالة الله وبيان ما أنزل إليهم من ربهم. ونرفع التحية لأهل بيته الطاهرين وأصحابه الأبرار.

    منذ صغرنا، ونحن نسعى للبحث عن العلم، نجلس في مجالس حيث يتباحث فيها حول القضايا، يقول أحدهم: رأي أبو حنيفة كذا، ومذهب الشافعي هكذا، ومالك أفتى بهكذا، وأحمد قال في هذا الأمر كيفما كان.

    وكنا نتسائل في أوقاتها، أليس القرآن الكتاب الواحد الذي أنزله الله؟ أليس الرسول محمد هو خاتم الأنبياء؟ فلماذا يظهر هذا التباين في الفهم؟ وما هي جذوره وأسبابه؟ وكيف يمكن أن يتفق مع هذا التنوع؟ وكنا نتأمل في قوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا".

    فإننا نعيش في تحديات تفرض علينا ضرورة التفكير والتعمق، وندرك أهمية فهم التنوع الفقهي وكيف يمكن لهذا التنوع أن يكون سببًا للغنى في الفهم الديني.

    في طريق البحث عن الحقيقة، أدركنا أن القرآن الكريم وسنة النبي محمد هما المصادر الرئيسية للتوجيه والتشريع. وفي ذلك الوقت، نميل إلى الفهم العميق لتلك النصوص بروح من التسامح والاحترام لآراء العلماء المختلفة.

    إن الاختلاف في الفهم لا يُشكل تهديدًا للوحدة الإسلامية، بل يظهر بوضوح التنوع الذي يثري التفكير والتفاعل في المجتمع الإسلامي. وهذا يدفعنا لنكون مستعدين لاستيعاب الآراء المتنوعة والتعايش بروح من الاحترام المتبادل.

    في النهاية، ندرك أن الوحدة الإسلامية لا تعني التجانس المطلق في الرؤى، بل تتسم بالتعدد والتعاون. إن التفهم المتبادل والاحترام للتنوع يعززان فهمنا للإسلام ويسهمان في بناء جسور التواصل والتعاون بين أفراد هذه الأمة.

    لذا، في رحلتنا الدينية، لنكن دائمًا مستعدين لاستقبال التنوع والاختلاف بقلوب مفتوحة، مدركين أن الاحترام والتسامح هما الأساس لتحقيق التلاحم والوحدة في مجتمعنا الإسلامي.

    (١) في سورة الأنعام: ١١٠

    (٢) وفي سورة الأنبياء: ٩٢

    (٣) وأيضًا في سورة آل عمران: ١٠٣

    لقد أوجد الله جل جلاله هذه الأمة بأن جعلها خير أمة، أخرجت للناس محملة برسالة الإسلام السمح، وكان دورها أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله (١). جعلها الله أمة واحدة متآخية، متعاونة، حيث قال: "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون"، وأمرها أن تتمسك بكتابه المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد نزل بوحي حكيم وحميد: "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا".

    كنت دائمًا أشعر بتعزيز هذا المفهوم في نفسي عندما كنت أتفاعل مع الصيحات التي تدعو إلى توحيد المذاهب وتحث على تضاف الأمة كلها تحت خطة واحدة، وهو ما يتطلب منا أن نتجاوز التلون والاختلاف، وحتى في بعض الأحيان، التناقض. كانت هذه الأصوات تثير فيّ الحماس والشوق لرؤية يوم لا نسمع فيه أي شخص ينتمي إلى مذهب شافعي أو حنفي أو غير ذلك.

    على ضوء هذه التجارب، قررت أنا وأصدقائي العمل على كبح هذه الأصوات التي تدعو إلى التشدد المذهبي، سواء كانت معتدلة أو متطرفة. استمر هذا القرار في توجيه رؤيتنا حتى فُتحت أمامي الفرصة للانتساب إلى كلية الشريعة في الجامعة الأزهرية. هناك، درست مادة التفسير وتفحصت في منازع الفقهاء وتنوعهم في استنباط الحكم من كتاب الله العزيز، الذي أنزله للإنسان كدليل وهداية.

    درست أيضًا أحاديث الأحكام في كتاب "سبل السلام" للصنعاني وفي "نيل الأوطار" للشوكاني. كان ذلك الكتاب، الذي كانت إدارة الأزهر توزعه مجانًا على الطلاب، يهدف إلى توجيه سُبل السلام في إطار أوسع وميدان أكبر.

    هذه الكتب كانت تقديمًا للآراء المتباينة للعلماء أثناء استخلاصهم للأحكام من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، التي أُظهِرت بوضوح في كتاب الله العزيز. درست أيضًا الفقه المقارن، حيث قُدِّم فيه عرض جيد وممتع لتفاوت وجهات نظر الأئمة عند تفسيرهم للنصوص الدينية، واستخلاص الأحكام منها، وهم يبذلون جهودًا كبيرة لفهم الحقيقة، مُتخذين من الشريعة هدايتهم.

    عندما ألقيت نظرة على ذلك، شعرت بتلاشي تدريجي لغلوي، وأدركت أن حقدي على التشدد الطائفي يُخفَض ببطء. علمت أن الأمور ليست بسيطة، وأن القول "حسبنا كتاب الله" لا يكفي إلا إذا تم تحديد الطريق لفهم الخطة المحكمة لاستنباط الأحكام.

     

    ليس كافيًا أيضًا القول: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، بل يجب بذل جهد مستمر وفهم عميق للسنة، والتعرف على طرق الاستنباط. كل هذا يُسهم في توجيه الإنسان نحو نور الله والابتعاد عن الضلال.

    أدركت قيمة الأئمة الذين قدّموا حياتهم للبحث عن الحقيقة، وكونوا مصدر فخر للأمة الإسلامية في ميدان التشريع والقانون.

    أدركت أيضًا أن من يستهتر بدور هؤلاء العلماء، ليس إلا رجلًا جاهلًا متعالمًا، يحاول التنافس مع الأسد وهو مثل الهريرة. ومع ذلك، يجب الاعتراف بأن ليس كل اختلاف يُحسَن، وهناك اختلاف يُستنكَر، ويعود إلى تحريف النصوص الدينية وتأويلها لتلبية شهوات البشر وتأثيرات الشيطان.

    لهم بها في أدمغتهم، إن هذا النوع من الخلاف هو الذي يقضي على وحدة الأمة وتماسكها، ويكون بمثابة معول هدام بهدم في أسسها، ليقوض بناءها الشامخ وصرحها المتين. وهو الذي يجدر أن تحاربه الأمة الإسلامية، وتقف صفاً واحداً للقضاء عليه، مهما كلفها هذا الأمر من ضحايا. إذ في تفشيه، ينبغي للقضاء أن يكون مبرمًا، ويُدق مسمار في نعشها يحملها إلى مثواها الأخير.

    أما الخلاف في الفروع بعد الاتفاق على الأصل، فما هو إلا اختلاف في الطريق الموصل إلى الحقيقة، لا في الحقيقة نفسها. وقد يكون في هذا الخلاف توسعة على السائرين ورفق بهم ورحمة، وجدير به ألا يمت إلى الانشقاق لا من قريب ولا من بعيد. وهذا هو شأن المذاهب الفقهية.

    ولئن رأينا في بعض البلدان وفي بعض العصور أن المذهبية كانت عاملاً من عوامل التفرق بين المسلمين، فلنعتقد أن هذا يرجع إلى سوء فهم وجهل بعض الأفراد للحقيقة، لا إلى وجود المذاهب نفسها. وما يتعلق بهؤلاء يشبه إنسانًا اشترى سكينًا في السوق ليكون مرتفقًا للناس، فاشتراها وقتل بها نفسه. كثيرًا ما يستخدم الإنسان في الشر ما كان موضوعًا في أصله لاستعماله في الخير.

    كلما أنبت الزمان قناة ركب المرء في القناة سناناً. ومن الإنصاف أن نقول: إن بعض المسائل الفقهية المختلف فيها يمكن حل الخلاف فيها، وجمع كلمة الناس على حكم واحد لها، إذا كان الحكم من بعض الفقهاء مبنيًا على قياس فاسد أو تأويل بعيد، أو عدم اطلاع على الحديث، أو عدم صحته عنده. ففي هذه المسائل، يجب الرجوع إلى الصواب، وعدم دفعنا إلى اتباع المذهبية دون النظر إلى الدليل.

    مصطفى سعيد الخن

    المؤلف: الشيخ مصطفى سعيد الخن، الشافعي، الميداني، الدمشقي العالم المربّي (1923م - 2008م).

    اسمه ونسبه ونشأته:

    - اسمه: مصطفى بن سعيد بن محمود الخن.

    - نسبته: الشافعي.

    - نشأ في دمشق عام 1923م، في أسرة عريقة بحي الميدان.

    التحصيل العلمي:

    - بدأ دراسته في مدرسة الجمعية الغراء وانتقل بعدها إلى المدرسة الرسمية.

    - اكتشفت مواهبه في النحو والحساب عند الشيخ الخطاط محمد زرزور.

    - انضم إلى مدرسة الشيخ حسن حبنكة في جامع منجك، حيث درس القرآن والخط والحساب.

    - التحق بكلية الشريعة في الأزهر بالقاهرة وحصل على شهادة الإجازة بتقدير ممتاز.

    العمل العلمي:

    - عاد إلى دمشق وعمل مدرسًا لمادة التربية الإسلامية في ثانويات حلب ودمشق.

    - شارك في إصلاح المناهج والكتب المدرسية.

    - تدريس في كلية الشريعة بجامعة دمشق وجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض.

    - أخذ الدكتوراه برسالة "أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء".

    رحيله:

    - وفاة الشيخ مصطفى الخن في عام 2008م.

    - إسهامه في التعليم والدعوة والتأليف، حيث كتب 13 كتابًا في مجالات مختلفة.

    في ختام هذه المقالة التي تحدثنا عن اثر الاختلاف في القواعد الاصولية، يبرز إلى الواجهة تأثير الشيخ مصطفى سعيد الخن كعالم دين ومربي على المستوى الشرعي والتعليمي. نجح في تربية العديد من الطلاب، وساهم بفاعلية في إصلاح المناهج والكتب المدرسية. كتبه الـ13 وعمله التدريسي في جامعات مرموقة يعكسان التفاني والتفرغ لنقل العلم والمعرفة. رحيله في عام 2008 ترك فراغًا في الميدان العلمي والتعليمي، ولكن إرثه يظل حاضرًا وملهمًا للأجيال القادمة. إن إسهاماته القيمة تظل شاهدة على التفاني والإلهام الذي قدمه في خدمة الدين والتعليم.

    ولا ننسى أن كتاب "أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء" للشيخ مصطفى سعيد الخن يشكل عملًا استثنائيًا يتميز بالعمق والتحليل الدقيق. يبرز الشيخ في هذا الكتاب قدرته على ربط القواعد الأصولية بتنوع الفقه الإسلامي وفهمه للأصول، مما يمنح القارئ فهمًا أعمق للتنوع في الفقه وتأثيره على المسلمين.

    يتميز الكتاب بأسلوب سلس وشيق، يسهل على القارئ فهم المفاهيم العميقة والتفاصيل الدقيقة لهذا الموضوع المعقد. كما يظهر فيه اندماج بين البعد الأكاديمي والتطبيق العملي، مما يضفي على القراءة قيمة عميقة وتأملات تثري الفهم الشخصي.

    التعليقات
    اترك تعليقاَ اغلاق