"هل قلت كل ما أردتُ أن أقوله في مؤلفاتي التسع، أم لا يزال في الروح حكايات؟" لعل هذا التساؤل الذي تفتتح به الأديبة السعودية فاطمة بنت عبد الله بن رافعة "بنت السّرّاة" روايتها، وبما له من دلالات تتناسق مع رمزية العنوان "في روحي حكايات"، يشي للقارئ بأن الحكايات لن تنتهي عند "بنت السّرّاة" خاصة تلك التي تعتمد في مادتها على تصوير التمثيلات الاجتماعية في المجتمع السعودي؛ ولهذا الغرض فقد اهتمت هذه الرواية بتحديد مكانة المرأة داخل الأسرة والمجتمع بصورة عامة وبأسلوب مباشر وصريح، فنساء "بنت السّرّاة" مختلفين عن الرجل ولكنهن لسن دونه في المنزلة، كما يحاول البعض تصويرهن، فـ "في روحي حكايات" النساء شقائق الرجال؛ سواءً كانت أماً، أم بنتاً أم أختاً، تشارك في صنع الحديث، وتدخل في التنافس الوظيفي والعلمي، وتقرأ الروايات والكتب وتتفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي، وتحقق ذاتها الفردية والمجتمعية من دون الخروج على تقاليد المجتمع والشرع الإسلامي.
تدور أحداث الرواية في حيٍّ راقٍ من أحياء مدينة "جدّة الجديدة" التي تحضر فيها الوقائع كفضاءً ملائماً للكتابة عن عادات المجتمع السعودي وتقاليده، هناك حيث أقام أبي عبد الله عمارة ضخمة، بثمانية أدوار، حالماً بعائلة كبيرة تسكنها، شاء القدر أن تسكنها مجموعة من النساء، الجارات، الداخلات في شبكة من العلاقات المختلفة، بما فيها من اختلاف وائتلاف وبما تحمله من أفراح وأتراح، ستمثل كل واحدة منهن في النص نموذجاً للمرأة السعودية، ومنهم؛ المرأة المستسلمة لقدرها كما هي "فضة" والعائدة من غيبوبة مرضية تُفاجأ بعدها بما لم تتوقعه كما هي "جواهر"، والمرأة المتسامحة والمتكيفة مع ظروف حياتها وزواجها كما هي "عايدة"، والمرأة الغيورة والفضولية كما هي "أم ضاري"، والمرأة العاملة المثابرة كما هي "شوق"، والمرأة العصامية المستقلة كما هي "موضي"، والفتاة التي تتمتع بشخصية مستقلة ولها خصوصيتها كما هي "هديل"؛ وبين هذه وتلك ثمة حيز رحيب لتمثيلات المرأة/ الكاتبة لذاكرة الماضي ومشهد الحاضر، وأسئلتها حول التغيير في الثقافة والوعي الجماعي، ويتمظهر ذلك بنبرة توفيقية تؤكد فيها "بنت السّرّاة" على ضرورة تماسك الأسرة ووحدة الوطن.
قدم للرواية بمقدمة الأديب صالح أحمد (كناعنة) جاءت تحت عنوان "أن تكون أديباً واقعيا" ومما جاء فيها: "... تركز كاتبتنا على واقع المرأة في المجتمع السعودي تحديداً في معظم كتاباتها، وكأنما أخذت على عاتقها مهمة تعريف العالم بواقع المرأة في ظل المجتمع السعودي بثوابته الأخلاقية والدينية والتربوية والمجتمعية... ليس هذا فحسب؛ بل إنها أخذت على عاتقها مهمة تكييف حياة المرأة السعودية، وصقل فكرها وحسّها وأنماط سلوكها في بوتقة المتغيرات والمستجدات العالمية... مع إصرارها وبقوة على وجوب التمسك بالثوابت والحفاظ عليها لأنها حصن الحياة السعودية، ولا تنازل عنه أو تهاون فيه...".