يُعد كتاب "تاريخ الأمم والملوك"، المعروف بـ كتاب من التراث ( تاريخ الطبري )، واحدًا من أقدم وأشمل الأعمال التاريخية التي تناولت تاريخ العالم الإسلامي منذ بدء الخليقة وحتى نهاية القرن الثالث الهجري. هذا العمل الموسوعي الذي ألفه محمد بن جرير الطبري (224-310 هـ / 839-923 م) يحتل مكانة مرموقة في التراث الإسلامي، ويُعتبر مرجعًا لا غنى عنه لكل من يهتم بدراسة التاريخ الإسلامي والعالمي. في هذه المقالة، سنستعرض محتوى الكتاب، منهج الطبري في التأليف، وأهمية هذا العمل وتأثيره على الدراسات التاريخية.
كتاب من التراث ( تاريخ الطبري )
محمد بن جرير الطبري: المؤرخ والمفسر
محمد بن جرير الطبري هو واحد من أعظم المؤرخين والمفسرين في التاريخ الإسلامي. وُلد في آمل بطبرستان (شمال إيران حاليًا) وتلقى تعليمه في عدة مدن إسلامية مثل بغداد والري والكوفة والبصرة. عُرف الطبري بعلمه الغزير وإسهاماته الكبيرة في تفسير القرآن والتاريخ الإسلامي. إلى جانب كتاب من التراث ( تاريخ الطبري )، ألف الطبري أيضًا "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، الذي يُعتبر من أهم كتب التفسير.
محتوى الكتاب
يتألف كتاب من التراث ( تاريخ الطبري ) من عدة مجلدات تتنوع في محتواها بين التاريخ القديم والتاريخ الإسلامي والأحداث المعاصرة للطبري. يبدأ الكتاب بسرد تاريخ الأنبياء والأمم السابقة، بدءًا من خلق آدم عليه السلام وحتى بعثة النبي محمد ﷺ. ثم ينتقل إلى السيرة النبوية وتاريخ الخلفاء الراشدين (أبو بكر، عمر، عثمان، وعلي رضي الله عنهم)، ويعرض بالتفصيل الأحداث السياسية والعسكرية والاجتماعية التي شهدتها هذه الفترة.
التاريخ القديم
يبدأ الطبري بسرد تاريخ الأنبياء والأمم السابقة، مستعرضًا قصص الأنبياء وتاريخ الأمم القديمة مثل قوم نوح وعاد وثمود. يستند الطبري في هذا القسم إلى الروايات الدينية والقصص القرآني، ويقدم سردًا متسلسلًا للأحداث التي وقعت قبل بعثة النبي محمد ﷺ. يتناول الطبري أيضًا تاريخ الأمم التي عاصرت الأنبياء، مستعرضًا الأحداث التي شكلت تاريخ البشرية في العصور القديمة.
التاريخ الإسلامي
يتناول الطبري بالتفصيل تاريخ العرب قبل الإسلام، ثم ينتقل إلى السيرة النبوية وحياة النبي ﷺ وغزواته. يُعد هذا القسم من الكتاب من أقيم الأجزاء نظرًا للتفاصيل الدقيقة التي يقدمها عن حياة النبي محمد ﷺ وأصحابه. يعرض الطبري أيضًا فترة الخلفاء الراشدين، مستعرضًا الأحداث الرئيسية التي شهدتها هذه الفترة مثل الفتوحات الإسلامية والصراعات الداخلية.
الأمويون والعباسيون
يخصص الطبري جزءًا كبيرًا من كتابه لتاريخ الأمويين والعباسيين، مستعرضًا الأحداث السياسية والعسكرية والاجتماعية التي شهدتها هذه الفترات. يتناول الطبري بالتفصيل تاريخ الخلافة الأموية منذ تأسيسها على يد معاوية بن أبي سفيان وحتى سقوطها على يد العباسيين. كما يستعرض الطبري تاريخ الخلافة العباسية منذ تأسيسها وحتى نهاية القرن الثالث الهجري، مسلطًا الضوء على الأحداث الرئيسية والشخصيات البارزة التي شكلت هذه الفترة.
منهج الطبري في التأليف
يعتمد الطبري في تأليف كتابه على منهج الرواية الشفهية والمكتوبة، حيث يجمع بين الروايات المختلفة ويعرضها بنزاهة دون أن يتدخل في تفسيرها أو الحكم عليها. يستخدم الطبري أسلوب السرد التاريخي بطريقة مُحكمة ومنظمة، مما يسهل على القارئ متابعة الأحداث والتسلسل الزمني. يعتمد الطبري على مجموعة واسعة من المصادر، منها الروايات الشفهية التي جمعها من علماء ومحدثين، والكتب والمخطوطات التي كانت متاحة في عصره، وشهادات الشهود العيان للأحداث التي عاصرها.
المصادر والمراجع
اعتمد الطبري في تأليف كتابه على مجموعة واسعة من المصادر، منها:
- الروايات الشفهية: جمع الطبري العديد من الروايات الشفهية من علماء ومحدثين في مختلف المدن الإسلامية التي زارها.
- الكتب والمخطوطات: اعتمد الطبري على العديد من الكتب والمخطوطات التي كانت متاحة في عصره، مثل كتب السيرة النبوية وكتب التاريخ السابقة.
- شهادات الشهود العيان: استند الطبري إلى شهادات الشهود العيان للأحداث التي عاصرها، مما يضفي على كتابه قيمة تاريخية إضافية.
الأهمية والتأثير
يُعتبر كتاب من التراث ( تاريخ الطبري ) مرجعًا رئيسيًا لكل من يهتم بدراسة التاريخ الإسلامي والعالمي. يحتل الكتاب مكانة مرموقة بين المؤرخين وعلماء الإسلام، ويُعد من أهم المصادر التاريخية التي يعتمد عليها الباحثون لفهم تاريخ العالم الإسلامي. بفضل منهجه الشامل وأسلوبه المنظم، يقدم الطبري سردًا تاريخيًا غنيًا يساعد الباحثين والقراء على فهم تاريخ العالم الإسلامي بشكل أعمق وأكثر شمولية.
التحديات والنقد
رغم القيمة الكبيرة للكتاب، إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه القارئ والباحث عند الاستفادة منه:
- تعدد الروايات: يعتمد الطبري على سرد الروايات المختلفة دون التدخل في تقييم صحتها، مما يتطلب من الباحث التحقق من صحة الروايات.
- الطول والتفاصيل: نظرًا لضخامة الكتاب وتفاصيله الكثيرة، قد يجد القارئ صعوبة في متابعة جميع الأحداث.
- الاعتماد على الروايات الشفهية: قد تكون بعض الروايات التي نقلها الطبري غير دقيقة أو مبالغ فيها، مما يتطلب من الباحثين التحقق من صحتها من مصادر أخرى.
يُعتبر كتاب كتاب من التراث ( تاريخ الطبري ) من الكنوز الثمينة في التراث الإسلامي والعالمي. بفضل منهجه الشامل وأسلوبه المنظم، يقدم الطبري سردًا تاريخيًا غنيًا يساعد الباحثين والقراء على فهم تاريخ العالم الإسلامي بشكل أعمق وأكثر شمولية. سواء كنت باحثًا أكاديميًا أو قارئًا عاديًا، فإن كتاب من التراث ( تاريخ الطبري ) يقدم لك مادة غنية ومتنوعة تساعدك على استيعاب تاريخ الأمم والملوك بشكل متكامل.
كتب الطبري ليست مجرد سرد تاريخي، بل هي مصدر قيم لفهم تاريخ العالم الإسلامي والأحداث التي شكلت مساره. من خلال دراسة هذا الكتاب، يمكن للباحثين والقراء الحصول على نظرة شاملة وعميقة لتاريخ العالم الإسلامي منذ بدء الخليقة وحتى نهاية القرن الثالث الهجري. بفضل دقته وشموليته، يبقى كتاب من التراث ( تاريخ الطبري ) مرجعًا لا غنى عنه لكل من يهتم بدراسة التاريخ الإسلامي والعالمي.
