المجاز في القرآن واللغة

المجاز في القرآن واللغة

يكتسب المجاز في القرآن واللغة مكانة فريدة في عالم البيان العربي، فهو الجسر الذي يربط بين المعنى الظاهر والباطن، ويمنح النصوص عمقًا يثير الفكر والعاطفة في آن واحد. إن التأمل في أساليب التعبير المجازي يكشف جمال اللغة ودقتها، ويُظهر كيف استطاع القرآن الكريم أن يسمو بالكلمة لتصبح أداة وحي وهداية. هذا الفن الرفيع لا يثري الأسلوب فحسب، بل يفتح آفاق الفهم أمام القارئ ليكتشف أبعادًا جديدة في كل آية أو تعبير.

سيجد القارئ في هذا المقال دليلاً مرشدًا لفهم الفرق بين الحقيقة والمجاز، وكيفية تمييزهما في سياقاتهما البلاغية واللغوية. 

ما هو المجاز في القرآن واللغة؟

المجاز في القرآن واللغة هو استعمال اللفظ في غير معناه الأصلي لعلاقة بين المعنيين مع وجود قرينة تمنع من إرادة المعنى الحقيقي. بهذا الأسلوب البلاغي تتنوّع دلالات الألفاظ وتتسع آفاق التعبير، مما يمنح النصوص عمقًا وجمالًا خاصًّا، سواء في اللغة عمومًا أو في البيان القرآني خصوصًا. يُعدّ المجاز وسيلة لتصوير المعاني الدقيقة بأسلوب مؤثر ومعبّر.

ما تعريف المجاز في اللغة؟

المجاز في اللغة يعني أن يُستخدم اللفظ في غير ما وُضع له في أصل اللغة، بشرط وجود علاقة معتبرة بين المعنيين، ووجود قرينة تصرف الذهن عن المعنى الحقيقي إلى المعنى المقصود. فحين يُقال مثلًا “رأيت أسدًا يخطب” يُراد به الرجل الشجاع، والعلاقة هنا هي الشجاعة، والقرينة هي كلمة “يخطب” التي تمنع من فهم المعنى الحقيقي للأسد الحيوان.

كيف يُعرَّف المجاز في القرآن؟

المجاز في القرآن هو استعمال لفظ في غير موضعه الأصلي على وجه يصحّ لغويًا، مع وجود علاقة وقرينة تبيّن المقصود بوضوح. والمجاز في القرآن واللغه يظهر في آيات كثيرة تحمل معاني بلاغية بديعة، مثل قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ}، إذ لم يُرَد بها الجناح الحقيقي، بل المقصود التواضع والرحمة. فهذا من جمال التعبير القرآني الذي يصوّر المعنى بشكل محسوس يقربه إلى العقل والقلب معًا.

ما الفرق بين المجاز والحقيقة؟

  • الحقيقة هي استعمال اللفظ في معناه الأصلي الذي وُضع له أولًا في اللغة دون أي نقل أو صرف في المعنى.
  • المجاز هو استعمال اللفظ في غير معناه الأصلي لعلاقة مع وجود قرينة تمنع من إرادة المعنى الحقيقي.
  • الفرق الأساس أن الحقيقة هي الأصل في الاستعمال، بينما المجاز فرع يُعدل إليه لتحقيق غاية بلاغية أو توضيح معنًى عميق.
  • القرينة عنصر جوهري في المجاز؛ فهي التي تصرف الذهن عن الحقيقة وتوجّهه إلى المقصود المجازي.

كيف يظهر المجاز في النص القرآني؟

يتجلّى المجاز في القرآن واللغة في صورٍ متعددة تمسّ أعماق التعبير وتوسع دائرة المعنى. فحينما يُستخدم لفظ «الجناح» في قوله تعالى: «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة»، لا يُراد به الجناح الحقيقي للطائر، بل يُقصد به التواضع والخضوع في المعاملة. كذلك يُستعمل لفظ «اللباس» في قوله تعالى: «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن» تعبيرًا مجازيًا عن القرب والمودة والستر المتبادل بين الزوجين.

هذه الأمثلة تبرز كيف يوظف القرآن الألفاظ خارج معناها الأصلي لتقريب المعاني المجرّدة إلى ذهن السامع وإضفاء عمقٍ إنساني وروحي على النص.

ما أدوار المجاز في البلاغة القرآنية؟

  • يسهم المجاز في تكثيف المعاني، إذ يجعل اللفظ الواحد يحمل دلالات متعددة تُثري النص وتعمّق أثره.
  • يمنح التعبير القرآني بعدًا جماليًا يلامس الحسّ ويثير العاطفة، مما يعزز التأثير النفسي في القارئ أو المستمع.
  • يفتح آفاق التأمل والتدبر، حيث يدعو المتلقي إلى تجاوز الظاهر وفهم المقاصد الباطنة للخطاب.
  • يرسخ المعنى في الوجدان عبر الصور الحسية القريبة، مما يجعل الرسالة القرآنية أكثر نفاذًا إلى القلب.

كيف يسهم المجاز في التأويل؟

يُعد المجاز في القرآن واللغة من المفاتيح الأساسية لعملية التأويل؛ فهو يسمح بفهم النص في ضوء مقاصده الكلية لا حدوده اللفظية فحسب. إنّ توظيف المجاز يمنح النص مرونةً في التفسير ويتيح تعدد القراءات، بحيث يمكن استنباط المعاني والأحكام من خلال طبقات مختلفة من الدلالة. وبهذا يتحول المجاز إلى جسرٍ بين الظاهر والباطن، يفتح مسارات جديدة للتفاعل العقلي والروحي مع الخطاب القرآني.

لماذا يختلف العلماء حول المجاز في القرآن واللغة؟

ذهب جمهور العلماء إلى إثبات المجاز في القرآن واللغه باعتباره عنصراً أصيلاً في البيان العربي، ووسيلة فنية تعبّر عن المعاني العميقة التي لا تؤدى باللفظ الحقيقي وحده. رأوا في المجاز طريقاً لتجسيد الصور الذهنية وإبراز روعة التعبير، فهو عندهم ليس خيالاً بل وسيلة دلالية راقية. كما دعم المعتزلة هذا الاتجاه، وعدّوا المجاز باباً لثراء المعنى وتعدد التأويل البلاغي، مما يفتح للنص القرآني آفاقاً من المعاني دون أن يخرجه عن حدود اللغة.

من أنكر المجاز في القرآن؟

أنكر بعض السلف وأهل الظاهر وقوع المجاز في القرآن، وعدّوه مخالفاً لمبدأ الحقيقة المطلقة في كلام الله. استندوا في موقفهم إلى خوفهم من أن يؤدي فتح باب المجاز إلى التوسع في التأويل، وبالتالي المساس بثبات النص القرآني ومقاصده العقائدية. ولذلك حصروا المعاني في حدودها الحرفية، واعتبروا أن ألفاظ القرآن تُفهم كما وُضعت دون صرفها عن ظاهرها.

ما سبب الحاجة إلى القرينة؟

تقوم البلاغة على أن المجاز لا يُفهم إلا بوجود قرينة تصرف اللفظ عن معناه الأصلي إلى المعنى المجازي. هذه القرينة هي الدليل الذي يمنع اللبس ويُحدد المقصود من الكلام. فقول الله تعالى: «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة» مثال بيّن؛ إذ إن “الجناح” ليس المراد به الجارحة المادية، بل هو مجاز عن الخضوع والرقة، والقرينة في السياق هي “الذل من الرحمة”. ومن ثَمّ، تعدّ القرينة شرطاً أساسياً يضمن سلامة الفهم ودقة التفسير، مؤكدةً مرونة المجاز في القرآن واللغة وقدرته على حمل المعاني العالية ببيان عربي فريد.

ما هي أفضل الكتب عن المجاز في القرآن واللغة؟

تُعد مكتبة دار الزمان للنشر والتوزيع من أبرز المكتبات التي تهتم بتقديم المؤلفات المتخصصة في الدراسات القرآنية واللغوية، وتُعرف بتنوّع إصداراتها التي تلبي احتياجات طلاب العلم والباحثين في علوم البلاغة والمجاز في القرآن واللغة. تتيح المكتبة إمكانية التسوّق الإلكتروني بسهولة، مما يجعل الوصول إلى هذه الكتب أيسر لمحبي اللغة العربية وعلومها.

المتشابه اللفظي في القرآن الكريم

يُعد كتاب “المتشابه اللفظي في القرآن الكريم” من قسم الكتب الاسلامية من تأليف د. محسن بن علي الشهري من الكتب البارزة في مجال التحليل البلاغي للنص القرآني، إذ يتناول ظاهرة الألفاظ المتشابهة في السياقات المختلفة، ويُبرز الدقة المعجزة في اختيار اللفظ القرآني وتغيره بحسب المعنى والمقام.

يربط المؤلف دراسته بتفسير روح المعاني للألوسي، مما يضفي على العمل عمقاً تفسيرياً يثري فهم المتلقي للمجاز والبيان القرآني. الكتاب يأتي بقياس (17 × 24 سم)، وعدد صفحاته 450 صفحة، بغلاف كرتوني صلب، وطباعة على ورق غير عاكس يمنح قراءة مريحة وطابعاً فاخراً للنص.

كيف تتقن البلاغة؟

كتاب “كيف تتقن البلاغة؟” المتوفر في قسم اللغات من إصدارات دار الزمان يعالج فنون البلاغة بأسلوب يجمع بين الجانب النظري والتطبيقي، حيث يستند إلى شواهد من القرآن الكريم والسنة النبوية والشعر العربي، مقدماً شروحاً واضحة وتمارين عملية تساعد القراء على التطبيق الفعلي لمفاهيم البيان والبديع والمعاني.يُعد هذا الكتاب مناسباً لكل من هم في مراحلهم الأولى أو المتوسطة في دراسة علوم البلاغة، إذ يمنحهم تدريباً عملياً متدرجاً يعزز فهمهم للجمال اللغوي وأسرار المجاز.

الأسئلة الشائعة حول المجاز في القرآن واللغة 

ما هو المجاز في اللغة والقرآن؟

المجاز في اللغة هو استخدام الكلمة في غير معناها الأصلي، لعلاقة بين المعنيين مع قرينة تمنع من إرادة المعنى الحقيقي. أصل كلمة “مجاز” من الجواز، أي العبور من معنى إلى آخر. أما في القرآن، فالمجاز يُقصد به توظيف الألفاظ لتؤدي معاني أعمق من ظاهرها، بما يتناسب مع البلاغة والإعجاز القرآني الذي يجمع بين دقة اللفظ وسعة المعنى.

هل المجاز موجود في اللغة؟

نعم، المجاز موجود في اللغة العربية وهو جزء أصيل من أساليبها البيانية. الفرق بين المجاز والتوسع في المعنى أن المجاز ينقل الكلمة عن معناها الأصلي بسبب علاقة تشبيه أو مشابهة، بينما التوسع يظل في إطار المعنى الحقيقي. مثلًا، في قوله تعالى: “يجعلون أصابعهم في آذانهم”، المقصود ليس إدخال الأصابع كلها بل الأنامل، وهذا من باب المجاز للدلالة على شدة الفعل.

ما هي أمثلة المجاز اللغوي؟

المجاز اللغوي يتجلى في كثير من استعمالات العرب التي ينتقل فيها اللفظ من معناه الأصلي إلى معنى آخر لعلاقة ما. الفرق بين الحقيقة والمجاز أن الحقيقة تُستخدم في معناها الأول، والمجاز يُستعمل في غيره اعتمادًا على القرائن.

من أمثلة المجاز اللغوي قولهم: “غاض البحر” أي قلّ ماؤه، مع أن الغيض صفة للسائل لا للبحر نفسه، قولهم: “جرت الأقدام في الميدان” والمقصود أصحاب الأقدام، في الاستعارة، مثل: “رأيت أسدًا يخطب” أي رجلًا شجاعًا، فشُبّه بالأسد في القوة والبأس.

يُظهر المجاز في القرآن واللغة عمق التعبير العربي وقدرته على إيصال المعاني الدقيقة بأسلوب مؤثر وجمالي. فهو يكشف التمييز بين الحقيقة والمجاز، حيث يتجاوز حدود المعنى المباشر ليمنح النص ثراءً وإيحاءً أعمق. وبفضله يظهر جمال البيان القرآني وروعة اللغة العربية في تصوير الأحاسيس والمعاني بأرقى صورها، مما يجعل المجاز في القرآن واللغة أحد أعمدة الفصاحة والبيان العربي الأصيل.

اقرأ أيضًا: