نستمر في سلسلة السيرة النبوية ( الهجرة الاولى )، حيث نتناول الدرس الثامن. في هذا الدرس، نناقش أساليب الكفار في صد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومؤمنيه عن دعوة الإسلام. لقد تحمل المؤمنون ألوانًا من التعذيب في مكة، حيث استهدفت قريش الطائفة الوحيدة التي تعبد الله بحق.
مقدمة عن سلسلة السيرة النبوية ( الهجرة الاولى )
تُعتبر مسؤولية عظيمة تقع على عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه، تتمثل في نشر هذا الدين إلى جميع أنحاء الأرض. كما جاء في قوله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" [الأنبياء: 107]. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن دعوته ليست خاصة بالمسلمين فقط، بل هي رسالة عامة للناس كافة
مع ازدياد حدة التعذيب في مكة، أصبح المسلمون مهددين بالاستئصال. وهنا جاء دور التفكير الإبداعي للرسول صلى الله عليه وسلم، حيث سعى لإيجاد حل عملي لإنقاذ الدعوة والمؤمنين، وهو ما تجسد في الهجرة الأولى إلى الحبشة، والتي تُعتبر جزءًا مهمًا من سلسلة السيرة النبوية ( الهجرة الاولى ). كان بإمكان الله أن ينقذهم بمعجزة، لكن القاعدة الإلهية تقتضي أن نتخذ الأسباب الواقعية لتحقيق التغيير.
فكر النبي في وسيلة جديدة لمواجهة طغاة مكة، رغم أنه لم يكن في مقدور المؤمنين مواجهة المشركين بشكل مباشر، حيث نهاهم الله عن ذلك بقوله: "وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ" [الأنعام: 106].
إن سلسلة السيرة النبوية ( الهجرة الاولى ) تعكس أهمية الأخذ بالأسباب والتخطيط السليم في مواجهة التحديات، وهو درس يتجاوز الزمن ويظل قائمًا في حياة المؤمنين.
سلسلة السيرة النبوية ( الهجرة الاولى )
الهجرة إلى الحبشة للمحافظة على الدعوة
كانت الوسيلة الجديدة أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه هي الهجرة من مكة إلى أرض جديدة، حيث لا يوجد فيها تعذيب أو إيذاء لدعوة الإسلام. تُعتبر هذه الخطوة تكتيكية من النبي، وقد سبقتها إشارات واضحة في كتاب الله عز وجل، حيث جاء في سورة الزمر: "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" [الزمر:10].
وهذا يعني أن أرض الله واسعة، وأفضل مكان على الأرض هو ذلك الذي يتم فيه عبادة الله تعالى. فلا تتفوق أي بقعة على أخرى بسبب جمالها أو ثرواتها، بل تظل الأرض الطيبة هي تلك التي تُعبد فيها الله وحده. لذلك، قرر المسلمون ترك مكة، التي تُعتبر أشرف بقعة على وجه الأرض، إلى مكان آخر يمكنهم فيه ممارسة عبادتهم بحرية، دون أن يتعرضوا للافتتان في دينهم.
إن الهجرة وترك الديار والعشيرة ليست بالأمر اليسير، فقرار كهذا يتطلب قلوبًا مؤمنة ونفوسًا عظيمة. يجب أن نأخذ في الاعتبار أن هؤلاء المهاجرين لم يغادروا بلادهم بحثًا عن تحسين مستوى المعيشة أو جمع الأموال، أو حتى لتحصيل العلم، بل تركوا أوطانهم التي استقروا فيها لأجل الدعوة إلى الله. كانوا يتركون خلفهم بلادًا قد تكون آمنة ومرفهة، إلى بلاد أخرى قد تكون فقيرة أو بعيدة أو غير معروفة، وكل ذلك لغاية واحدة: عبادة الله عز وجل.
تخيل رجلًا يعيش حياة مستقرة في بلد يحبه، حيث تسير أموره على ما يرام. ثم يقرر فجأة الهجرة إلى بلد آخر، ليس رغبة في الرفاهية أو الأموال، بل لكي يعبد الله عز وجل، بعد أن ضاقت عليه الأوضاع في بلده.
في حال كان هذا الرجل سيهاجر إلى مكان يضمن له حياة أكثر رفاهية وثروات، لكان الأمر أسهل بكثير. لكن أن يختار الهجرة إلى بلد لا يثير شغف النفوس بشكل عام، فهذا يتطلب جهادًا عظيمًا للنفس. لذلك، عظم الله أجر الهجرة في سبيله، فقال تعالى: "وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ" [الحج:58-59].
لم يكن هدف المؤمنين في الهجرة البحث عن الرزق، بل في ظاهر الأمر، كانوا قد يتوقعون فقدان مصادر رزقهم، حيث سيتركون أعمالهم من أجل الانتقال إلى مكان قد لا يتوفر فيه عمل مناسب. ومع ذلك، وعدهم الله عز وجل برزق حسن في الجنة، فهو على أسوأ تقدير، حتى لو قُتلوا أو ماتوا، يعدهم الله برزق حسن.
المؤمن يدرك أن رزقه في الدنيا لن ينقص، وأنه سيأتيه رغماً عن إرادته سواء في بلده أو خارجه، في ظروف مختلفة كما قال تعالى: "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ" [الذاريات:22].
وبذلك، نقف لحظة للتفكير والتحليل، لنجيب على سؤال مهم: هل كانت الهجرة من أجل الحفاظ على الدعوة أم من أجل حماية الدعاة؟ قد تبدو الفروق بين الإجابتين بسيطة، لكن عند التدقيق نجد أن الفرق كبير جدًا. هل يجب التضحية بالدعوة من أجل حماية الدعاة، أم يجب التضحية بالدعاة من أجل الحفاظ على الدعوة؟
واقع الأمر أن الدين هو العنصر الأهم في حياة المؤمن، والمقصد الأساسي الذي جاء الشرع لحمايته هو الدين، ومن أجله يُضحى بكل شيء.
لذا، يبذل المؤمنون أرواحهم دفاعًا عن دينهم، لكنهم لا يضحون بدينهم من أجل الحفاظ على أرواحهم. بل إن الله عز وجل يحث المؤمنين على تقديم أرواحهم حفاظًا على دينهم، كما قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ" [التوبة:111].
وبناءً على ذلك، فإن السبب الأول وراء الهجرة التي قررها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حماية الدعوة. كان النبي يسعى إلى إيجاد موطن جديد للدعوة، يضمن استمرارها حتى في حال تعرض الدعاة للاستئصال في مكة.
إذاً، لم يكن الهدف الأساسي من الهجرة هو الحفاظ على أرواح الدعاة، رغم أن هذه القضية لها أهميتها. وهذا يتضح من قرار الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يهاجر الصحابة رضوان الله عليهم من أجل الدعوة وليس من أجل حماية الدعاة. الذين طُلب منهم الهجرة كانوا من قبيلة قريش، بينما لم يُطلب من العبيد والمستضعفين القيام بذلك. بل هاجر الأشراف وأصحاب النفوذ، في حين لم يهاجر من كانوا في وضعية الضعف. لو كان الهدف الأساسي هو حماية الأرواح، لكان من الأجدر أن يُطلب من هؤلاء الضعفاء الهجرة أولًا.
سبب هجرة أشراف مكة من الصحابة إلى الحبشة
واقع الأمر أن الدين يمثل العنصر الأهم في حياة المؤمن، وهو المقصد الرئيسي الذي جاء الشرع لحمايته، ومن أجله يُضحى بكل شيء.
فالمؤمنون مستعدون لتقديم أرواحهم دفاعًا عن دينهم، لكنهم لا يضحون بدينهم من أجل الحفاظ على أرواحهم. إن الله عز وجل يدعو المؤمنين إلى بذل أرواحهم حفاظًا على دينهم، كما جاء في قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ" [التوبة:111].
لذلك، فإن السبب الأول وراء الهجرة التي قررها رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حماية الدعوة. أراد النبي أن يضمن وجود بيئة أخرى للدعوة، بحيث لو تعرض الدعاة للاستئصال في مكة، تبقى طائفة أخرى قادرة على مواصلة الرسالة.
لم يكن الهدف الأساسي من الهجرة الحفاظ على أرواح الدعاة، رغم أن ذلك مهم أيضًا. يتضح هذا من قرار النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه الصحابة رضوان الله عليهم للهجرة من أجل الدعوة، وليس من أجل نجاة الدعاة. أولئك الذين طُلب منهم الهجرة كانوا من قبيلة قريش، بينما لم يُطلب من المستضعفين والعبيد القيام بذلك. إذن، لو كان الهدف هو حماية الأرواح، لكان من الأجدر أن يُطلب من الضعفاء الهجرة أولاً.
ختامًا، تُعتبر سلسلة السيرة النبوية ( الهجرة الاولى ) درسًا عظيمًا في قوة الإيمان وعزيمة المؤمنين. هذه الهجرة لم تكن مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل كانت خطوة استراتيجية لضمان استمرار الدعوة. ومن خلالها نتعلم أهمية التضحية في سبيل المبادئ، وكيف أن الفهم العميق للدعوة يفرض علينا اتخاذ القرارات الصعبة.