في عالم كثرت فيه الكلمات والأساليب ظلت البلاغة فنًا راقيًا يكشف بدقة عن عمق الفكر والتعبير، وذلك لأنها ليست مجرد عبارات أو ألفاظ تستخدم فحسب بل هو فن يعتمد على اختيار الكلمة بشكل موزون وذات معنى بليغ، أي تمثل الجسر الذي يصل بين كل من المتحدث والمتلقي، ولهذا كان دائمًا هناك ما يسمى بعلم
البلاغة: جمال القول وبيان الفكرة حيث يجتمع فيه القول مع الفكرة ليولد الإبداع.
What is rhetoric: The beauty of speech and the statement of an idea? Definition and concept
يقصد بالبلاغة أنها فن التعبير عن المعنى ولكن باستخدام أسلوب مؤثر مناسب لكل من المتلقي والموقف، أي أنها تمثل القدرة على إيصال الفكرة بأوضح صورة وأجمل صياغة بحيث تلامس العقل وتأثر القلب في آن واحد.
تعرف البلاغة في اللغة العربية بأنها: “مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته”
يقصد به أن تكون الألفاظ المختارة سليمة والمعاني المستخدمة واضحة، والأسلوب يتوافق مع السياق والهدف، وعادةً ما تنقسم البلاغة إلى عدة فروع تتمثل في:
- علم المعاني: هذا العلم يهتم باستخدام الأسلوب المناسب للمقام.
- علم البيان: يهتم بالتركيز على الصورة البلاغية التي تتمثل في الاستعارة والتشبيه.
- علم البديع: يرتبط بالحسنات المعنوية واللفظية التي تساعد على تجميل الكلام.
فالبلاغة ليست مجرد ترفًا لغويًا بل تعد أداة فعالة وعلمًا يساعد على التأثير والإقناع سواء في الأدب أو الإعلام أو الخطابة بل ويستخدم في الحوار اليومي.
البلاغة في التراث العربي: جمال القول وبيان الفكرة
تعد البلاغة أساس التراث العربي حيث أولاها العرب حينذاك اهتمامًا بالغًا منذ أقدم العصور، حيث اعتبرها العرب من أعلى مراتب البيان والفصاحة قديمًا، ففي عصر الجاهلية كانت البلاغة تتجلى لمخاطبة الفرسان وأشعار المعلقات، حيث كان العرب يتفنن بها والشعراء في التصوير والتشبيه والإيجاز الذي بدوره يلامس العقل والقلب معًا.
فمع بزوغ فجر الإسلام قد زاد اهتمام العرب بالبلاغة خصوصًا في إعجاز القرآن الكريم، الذي بدوره مثل قمة البلاغة والبيان، حيث تحدى العرب في فصاحته وتركيبه الفريد، حيث دفعهم ذلك إلى دراسة البلاغة والقيام بتحليل أساليبها بدقة، وظهر ذلك في العديد من الكتب مثل كتاب دلائل الإعجاز” لعبد القاهر الجرجاني و”البيان والتبيين” للجاحظ.
فلم تكن البلاغة في التراث مجرد علم نظري فحسب، بل كانت بمثابة أداة للأقناع والتأثير، بل وسلاحًا في ميادين الشعر والخطابة المناظرة والسياسة، بل ما زالت البلاغة مرآة تعكس رقي العقل العربي وذوقه الجمالي الرفيع.
أركان البلاغة الثلاثة: المعاني، البيان، والبديع
تعتمد البلاغة العربية على عدة أركان تتمثل في 3 أركان، حيث يكمل بعضها البعض، وذلك لكي تصنع فن القول والتعبير، وهذه الأركان هي علم المعاني والبيان والبديع، ويأتي لكل ركن وظيفة محددة تضيف إلى النص بعدًا جماليًا وفنيًا:
- Semantics: يهتم هذا العلم بتنسيق الكلام وذلك لكي يطابق حال كل من الموقف والمتلقي، وذلك مع مراعاة التقديم والتأخير والحذف والإضافة والإطناب والإيجاز وغيرها من مختلف الأساليب التي تجعل المعنى أوضح وأكثر تأثيرًا.
- Manifesto science: يقصد به تصوير المعاني وذلك في صور فنية بديعة، وهذا بالاعتماد على بعض الأدوات التي تتمثل في التشبيه والكناية والمجاز والاستعارة، وذلك ليقوم بتحويل الأفكار إلى لوحات ناطقة تلامس المشاعر وتدهش بها الخيال.
- علم البديع: هذا العلم يقوم بالتركيز على المحسنات التي تتمثل في الجانب المعنوي واللفظي ويتمثل في السجع والطباق والمقابلة والجناس، الأمر الذي بدوره يضفي على النص تناغمًا موسيقيًا ولمسة جمالية تزيد من رونقه دون أن تفسد من معناه.
عندما تجتمع تلك الأركان الثلاثة فإنها تتناغم معًا لتكون نتيجة بلاغية تحمل المعنى بوضوح، ويصور الفكرة بجمال ويطرب الأذن بإيقاع فني.
البلاغة بين القديم والحديث: هل تغيّرت مفاهيمها؟
على مر الزمان ظلت البلاغة حاضرة على مر العصور في وجدان الأمة العربية ولكنها لم تبقى في صورتها القديمة بل تطورت بتطور اللغة ووسائل التعبير والحياة، فنجدها أنها في التراث القديم كانت البلاغة تدرس في إطار صارم يتمثل في القواعد والأنواع، حيث تهدف في إبراز الجمال في القول وتحقيق المطابقة بين كل من الكلام والمقام.
فكان التركيز الأكبر على كل من الشعر والخطابة والنثر الفني مع اهتمام بالغ في الفصاحة والمحسنات اللفظية، بينما في العصر الحديث فقد انفتح مفهوم البلاغة على آفاق أوسع، حيث لم تعد حكرًا على الأدب فحسب بل أصبحت أداة فعالة في كل من الإعلام والإعلان والسياسة بل والتواصل اليومي، حيث تغيرت الوسائل وظهرت المصطلحات مثل بلاغة الصورة والخطاب البصري وبلاغة الخطاب الرقمي، الأمر الذي بدوره يعكس تطورًا في الشكل، مع بقاء الجوهر وإيصال الفكرة بأجمل أسلوب وأقوى تأثير.
إلا أن جوهر البلاغة ما زال يسعى إلى نفس الغاية وهي تحريك الفكر والمشاعر، لكن بلغة الزمن ومقتضيات العصر فكانت البلاغة الحقيقية ليست في التكلف اللفظي بل في قدرة الفرد على التعبير المؤثر سواء كان ببيت شعر قديم أو تغريدة حديثة.
البلاغة: جمال القول وبيان الفكرة كانت ولا زالت جزءًا من اللغة العربية بل وأساس الحديث، فبالرغم من الاختلافات التي طرأت عليها على مر العصور لا زالت تسعى لنفس الهدف وهو تحريك الفكر والمشاعر ولكن بمقتضيات الزمن وإمكانيات العصر.
Read more:
