يوجد عدد لا نهائي من العلماء المسلمين، ولكن هناك أربعة من أشهر وأهم علماء المسلمين قد خلد التاريخ تراثهم، ولا بد أن ندرس حياتهم عن كثب ونعلم أطفالنا من هم الأئمة الأربعة؟ وأهمية تراثهم في بناء الفقة الإسلامي، إليك تراث الأئمة الأربعة: من الفقه إلى السلوك.
تراث الأئمة الأربعة: من الفقه إلى السلوك
لم يقتصر دور الأئمة الأربعة على تقديم الفتاوى واستنباط أحكام الشريعة الإسلامية، بل كانوا مثال يُحتذى به في رقي السلوك والتقوى وحسن الخلق، لذا فعبر العصور الممتدة والأجيال المتلاحقة كان لهم أثر لا يُنسي في النفوس وقدوة صالحة يطيب بذكرها المرء المسلم
1- أبو حنيفة النعمان: فقه الرأي والعقل
عرف الجميع عن أبو حنيفة استقلالية التفكير والعزوف عن مناصب القضاء رغم الجدارة بها والإلحاح لأنه كان متمسكًا بمبدأ ولا ينوي التفريط فيه أيان كانت المغريات، وهو نفسه الذي أعان طلابه من ربح تجارته وعامل الكل بالحسنة حتى وإن اختلف معهم، وقد قام منهجه في الاجتهاد على عدة ركائز أساسية وهي:
- كان يميل إلى الاستحسان فيعدل عن حكم القياس ويتجه إلى الحكم الذي له أقوى دليل.
- ركز على الاجتهاد الجماعي حيث لم يكن اجتهاده فرديا بل اعتمد على الحوار مع تلاميذه وعرض المسائل عليهم والإنصات لآرائهم واتخاذ القرار بالحكم بعد الخوض في نقاش مستفيض معهم.
- كان يعتمد على المنهج العقلي في الاستنباط وإن تعارضت الأدلة أو غابت النصوص فإنه كان يبحث عن الأدق والأصلح فيما لا يخالف النص القطعي.
- كان يميل إلى استعمال مصادر متعددة فيبدأ بالقرآن و السنة النبوية، إجماع الصحابة، القياس، الاستحسان، والعرف والعادة بالترتيب إلى أن يجد حكم المسألة.
2- الإمام مالك بن أنس: فقه المدينة وحديث رسول الله
من أكثر العلماء هيبة للعلم فكان يتهيأ للدرس بملابسه كما لو كان في حضرة الملك، وتميز بأنه كان يعلم تلاميذه الأدب قبل العلم وعُرف بالحلم والسكينة وركز بمنهجه في اعتماد عمل أهل المدينة باعتبارهم مصدر فقهي أصيل ومميز دون التهاون في القرآن والسنة والإجماع والقياس وغيرها من الأدلة:
- رأى مالك أن دار الهجرة وهي المدينة موطن الإسلام والهادي البشير وصحابته الكرام لذا فرأى بالفطرة أن أهلها أدرى الناس بالسنة النبوية وتطبيقها لأنهم عاشوا في بيئة النبي وسمعه منه وعنه مباشرة فعملهم كان ما يعرفوا يعتبر درسا عملية لفهم الشرع.
- وكان مالك يجمع بين النصوص النقلية والعقلية ويفاضل بين الأدلة حسب قوة الدليل وشموليته فكان لعمل أهل المدينة وزن كبير ولكنه ليس مطلقًا وقد ركز على المصلحة والمقاصد الشرعية.
- فتح مالك بابا للاجتهاد وجمع بين الأحاديث النبوية الشريفة وأقوال الصحابة وعمل أهل المدينة، وذلك في كتابه الشهير الموطأ والذي نعتبره مرجعا فقهيا ذا أصالة وجودة في درة عقد تراث الأئمة الأربعة.
3- الإمام الشافعي: واضع أصول الفقه ومجدد القرن الثاني
رغم أنه احترف فن المناظرة وكان يفحم من يناظره بالحجة والبرهان إلا إنه كان يحترم المخالف، ولا يهاجم من يخالفه بل يدعه له فكان صديقه الورع في الأكل والكلام والأفعال، وكان يشغله العلم عن أمور الدنيا فزهد كل شيء إلاه وأسلوبه في الجمع بين مدرستي الحديث والرأي مدعاة للاهتمام والتأمل:
- كان الشافعي أول من قام بتصنيف علم أصول الفقه بهيكل منهجي وكان في كتابه الشهير الرسالة والذي يعد من أهم تراث الأئمة الأربعة يضع القواعد الواضحة لاستخلاص الأحكام الشرعية من القرآن والسنة والإجماع لأنه ذاع صيته بأنه منطق العرب.
- لم يصدر أي حكم إلا من خلال الاعتماد على الدليل الشرعي من القرآن والسنة النبوية ولم يقبل أبدا الاستدلال بالأحاديث الضعيفة أو اللجوء للقياس الفاسد لذا فقد جمع بين أهل الحديث وأهل الرأي في إطار وسطي متزن.
- قام بتحديد الفارق بين الخاص والعام والناسخ والمنسوخ وغيرها من أمور تختلط على الأمة مثل المطلق والمقيد وعمل على تقويم الحديث الصحيح من الضعيف لذا فهو كان الميزان الذي ضبط الاجتهاد الفقهي.
- في زمن الشافعي كانت الرقعة التي تحتلها الدولة الإسلامية متسعة وقد ظهرت بها مجموعة من القضايا الغريبة مما يتطلب إيجاد قواعد واضحة للتعامل مع هذه المستجدات وكان للشافعي دور هائل في تحسين الاجتهاد الفقهي ليلائم الواقع الجديد.
4- أحمد بن حنبل: إمام السنة وحفظ الحديث
شارك بن حنبل تراث الأئمة الأربعة واتسم بصفاتهم فاشتهر بالورع والزهد وتميز بالتواضع والصبر وكرم النفس وأحب أهل الحديث والعلم شأنه شأن كل أمام جليل
ومن دلائل صبره وجلده محنته في خلق القرآن وثباته رغم التعذيب والسجن واشتهر منهجه بتركيزه على النصوص وقلة الاعتماد على القياس:
- اعتمد الحنبلي على الأحاديث الصحيحة ومن إسهاماته في تراث الأئمة الأربعة كتاب المسند والذي له دور خالد في التوثيق الحديثي قام بجمع فيه حوالي 40 ألف حديث، مع انتقاء دقيق للأحاديث فيوضح ما الضعيف أو يتركه.
- رفض القياس إلا في الضرورات وكان الإمام أحمد يرى أن مادام هناك نص صحيح وصريح من القرآن والسنة فلا يجوز القياس لذا كان أقل الأئمة الأربعة لجوءًا إلى الاجتهاد العقلي عند المقارنة بالمذاهب الأخرى كالحنفي والمالكي.
- كان الإمام أحمد معتدل في توثيق الرواة ولكنه دقق في الرجال وسند الأحاديث لأنه ولى اهتمامه للقرائن في تقييم الحديث فيرفض أي حديث يثبت كذب راويه أو ضعفه.
كيف وصلنا تراثهم؟ دور التلاميذ والمصنفات
في ظل التعمق في تأمل تراث الأئمة الأربعة يجدر بنا إظهار أقصى أيات الشكر والعرفان لتلاميذ الأعلام الأربعة وإضافة لهذا فإن المصنفات كانت بمثابة مراجع علمية تجمع الأحاديث، الآراء الفقهية، أصول الفقه، وأحكام الشريعة وذلك لأنهم:
- لعبوا دور الوسيط الذي يربط بين الإمام وطلاب العلم والناس فمن كان يحضر درس إمام منهم كان يسجل أقواله ويروي عنهم الحديث والفقه مما ساعد في حفظ النصوص بدقة وانتقالها عبر الأجيال.
- العديد من علماء الأمة العظام كانوا في الأساس تلاميذ للأئمة الأربعة وبفضل ما قاموا بقبسه من وهج العلم باتوا علماء كبار بدورهم عملوا فيما بعد على توسيع دائرة انتشار المذهب فاغلب تلاميذ الشافعي باتوا من أهم منابر العلم الشرعي بعده.
- ترك الأئمة الأربعة مؤلفات هامة وبعضها كان جمعها وترتيبها بفضل التلاميذ والأتباع وكانت هذه المؤلفات صدقة للأجيال اللاحقة للتعرف على التراث ودراسة الأحكام الشرعية التي اختلف عليها المؤمنون.
- قد أفاد جموع المسلمين وجود كتب منقحة ومحققة في المكتبات والمراكز العلمية وهذا إلى جانب توفير نسخ رقمية منها في العصر الحديث مما جعل التراث متاح بشكل واسع للباحث والمهتم بالعلم الشرعي.
- لا يمكن أن نذكر دور التلاميذ في الحفاظ على تراث الأئمة دون أن نذكر العلاقة بين الشافعي وابن حنبل لأنها دليل حي على جريان المعرفة في نهر العلم الشرعي من جيل إلى جيل فالإمام ابن حنبل لم يترك فرصة إلا وذكر بها فضل الشافعي عليه فكان نبراس يساعد التلاميذ على احترام أستاذهم وحرصهم على نقل العلم بدقة.
تراث الأئمة الأربعة لم يكن مجرد كتب ومذاهب يتبعها المسلمون فقط بل سلوك وخلق يُدرس في مدارس الحياة، لأنهم كانوا تجسيدا واقعيًا لمعاني العدل والرحمة والصدق والورع ففي سيرة كل أمام منهم دروس عملية تدل على أن الإسلام تعامل معاملة .
اقرأ أيضًا: