وسط كثرة وزحام العناوين، وركام المؤلفات، يظل هناك كتاب يقف كالقلعة الفكرية التي لم تهزّها رياح الزمان، ولا تُغيّر الأذواق.. “تفسير الطبري”، ورغم عن انتشار الأقاويل عن ابن جرير الطبري، إلا أنه أدهش القراء في أولى صفحات تفسيره؛ حيث يجد المرء نفسه إزاء عالم يُجيد الإصغاء للنصوص، ويلتقط أنفاس اللغة، ويستنطق المعاني كما لو كان يكتبها للمرة الأولى، لكن كم عدد مجلدات تفسير الطبري؟ وهل هي محطة فكرية تحمل قارئها من عصر لآخر أم أنها مجرد صفحات؟ هذا ما نتعمق فيه تفصيليًا في السطور الآتية.
عدد مجلدات تفسير الطبري
إن تفسير الطبري والمعروف أيضًا باسم “جامع البيان عن تأويل آية القرآن” قد طُبِعَ في طبعات متعددة، ولهذا اختلفت عدد مجلداته باختلاف دور النشر وحجم الخط والترقيم.
إلا أن طبعة دار هجر “القاهرة” تُعد هي الأكثر تداولًا لأنها أكثر الطبعات العلمية توثيقًا وتحقيقًا، وعدد مجلدات تفسير الطبري فيها 26 مجلدًا.
بعض الطبعات قد تكون أكثر في عدد المجلدات، وأخرى طبعات مختصرة قد ترد في أقل من 15 مجلد، لكنها تفتقد إلى النص الكامل والتوثيقات التفصيلية.
جدير بالذكر أن كل هذه الأرقام لا تُعبر فقط عن عدد دفاتر أو أوراق، بل إنها تُعبّر عن قرون من المعرفة التراكمية، ومنهج نقدي ورواياتي قلّ نظيره في عصر المؤلف.
ما يميز تفسير الطبري عن غيره؟
حينما نتحدث عن أعظم التفاسير في التراث الإسلامي يجب أن يتصدر “تفسير الطبري” المشهد؛ لأنه المرجع الأول والأشمل لتفسير القرآن الكريم في القرون الأولى للإسلام، وليس مجرد تفسير، ورغم كثرة عدد مجلدات تفسير الطبري إلا أنه يعد الأفضل من غيره؛ لعِدة أسباب:
- المنهج العلمي الدقيق: قام الشيخ الطبري بجمع روايات وعرض الأقوال، ثم رجّح بينها بأسلوب علمي مستخدمًا في ذلك اللغة، والنحو، وأصول الفقه، وعلوم القرآن.
- تعدد المصادر: استفاد الطبري من روايات التفسير، ومن كتب التاريخ، وآراء النحويين واللغويين، وقد جعل تفسيره موسوعة جامعة لكل تلك العلوم.
- الاعتماد على الرواية: الطبري لم يُفسر القرآن الكريم برأيه الشخصي، بل اعتمد على أقوال السلف من الصحابة والتابعين، مما يجعل تفسيره مرآة نقية للفهم الإسلامي الأول للنص القرآني.
- تفسير بالرواية والدراية: جمع الشيخ الطبري بين تفسير الآية من حيث اللغة والسياق والدلالة، وروايات الأثر التي وردت عن الصحابة والتابعين.
- أسلوب متزن: لا تعصب مذهبي، ولا خروج عن السياق، بل كل ما حرص عليه الشيخ هي محاولة لفهم الآيات كما فُهمت أول مرة بعيدًا عن التأويل المتأخرة.
مكتبة دار الزمان.. بابٌ معين للإنارة
لقد مثّل تفسير الطبري علامة فارقة في تاريخ التفسير الإسلامي، ومن خلال عدد مجلدات تفسير الطبري الكبير يتجلى عمق المشروع العلمي الذي حرص على القيام به الإمام في القرن الثالث الهجري.
في زمنٍ لم تكن فيه مكتبات رقمية، ولا سهولة في التدوين، إلا أنه أنشئ مدرسة متكاملة في التفسير تجمع بين الرواية، والعقل، والتاريخ، واللغة، والتواضع العلمي، ومكتبة دار الزمان هنا لإيصالها.
حيث نُقدم في مكتبة دار الزمان نسخ واسعة من مختصر تفسير الطبري ومجلدات ستكون بابًا للبدء من جديد، والتقرب من الله، وإحياء نور الأمل والإيمان والثقة بالله تعالى.
نهايةً.. ورغم أن عدد مجلدات تفسير الطبري قد يبدو كبيرًا، إلا أنه بمثابة بحر واسع لا تُدرك ضفافه، ولا يُحصى ماؤه، بمثابة محطات فكرية تأخذ القارئ في رحلة من زمن الصحابة إلى آفاق البلاغة وعمق اللغة العربية ودروب العقيدة.. صفحات كُتبت بالحبر، لكنها سُقيت بجهد وسهر لتصل هنا.
اقرأ أيضًا: